actualitesphotospress and mediaصحافة واعلام

ندوة سياسة الهويات بمعرض تونس الدولي للكتاب: لا ذاتية بدون غيرية ولا هوية خارج الزمن والعصر

ندوة سياسة الهويات بمعرض تونس الدولي للكتاب: لا ذاتية بدون غيرية ولا هوية خارج الزمن والعصر
جمعت الندوة التي اهتمت بسياسات الهوية نخبة من الفلاسفة واساتذة الحضارة الذين اشتغلوا كثيرا على سؤال الهوية. وقد شارك في هذه الندوة التي انتظمت اليوم في إطار الدورة السادسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب كل من ناجية الوريمي استاذة الحضارة العربية واسماعيل مهنانة استاذ الفلسفة بالجامعة الجزائرية وفتحي التريكي استاذ الفلسفة المعروف ومدير معهد تونس للفلسفة. وقد ترأست الجلسة استاذة الفلسفة بالجامعة التونسية أم الزين بن شيخة التي اوضحت لماذا تم اختيار مفهوم السياسات فيما أسمته بالورشة الفكرية التي نحن بصددها، قائلة أن الاختيار كان بهدف تجنب تأويليات ومفاهيم اخرى قد لا تكون ملائمة، وأنه تم استعمال مفهوم ميشال فوكو الذي يتحدث مثلا عن سياسات الحقيقة، مشددة على أن مفهوم السياسات هو شكل من اشكال المقاربات الحذرة أو كما الريبية كما وصفتها.
وقد وضعت الاستاذة ناجية الوريمي الموضوع في إطاره بقولها أن موضوع الهوية من المواضيع المطروحة قديما، ربما المصطلح حديثا، لكن المعنى قديم.
فالهوية هي خصوصيات الذات في مقابل الآخر المختلف. وقد كانت الهوية مرتكزا في الماضي للصراعات والنزاعات، والتي مازال بعضها قائما إلى اليوم في بعض الدول العربية مثل الصراعات المذهبية بين سنة وشيعة والطائفية الموجودة إلى اليوم في لبنان، ونحن اعتقدنا أننا في تونس قد حسمنا الصراع، فنحن مواطنون، أولا، ثم تأتي الخصوصيات الاخرى مثل الانتماءات والمعتقدات الدينية، لكن الصراع حول الهوية عادة مجددا في تونس ليكون موضوع الساعة، لماذا؟ لأنه وفق مل اقترحته من اجابة حول السؤال، مؤشر على ازمة الدولة الحديثة في تونس. وقد اعتبرت الاستاذة ناجية الوريمي ان هناك مخاتلة لدى الاسلامي السياسي عندما يتحدث عن الهوية فأي اسلام تعني هذه الهوية؟ هي أيضا تعتبر أن الدولة ليست لها هوية ومن الخطأ الاعلان عن اسلامية الدولة، لأن الدولة جهاز تنفذي يحمي كل الهويات وترى أن مسألة التأكيد في تونس على اسلامية الدولة من مخلفات التعثر السياسي الذي مازلنا نعيشه وفق وصفها.
أما المتدخل الجزائري، فهو يرى أن الهوية هي تلك الكذبة الناجحة سياسيا. فالهوية هي مجموعة من الاساطير والخطابات التي يؤلفها شعب عن نفسه، وهي ناجحة لانها تساعده للدفاع عن نفسه. غير أن الهوية في العالم الاسلامي في اعادة تشكيل منذ الصدمة الأولى التي عاشها مع حملة نابيلون على مصر. المشكل كذلك حسب استاذ الفلسفة اسماعيل مهنانة، أننا نبني عناصر هويتنا انطلاقا من المفاهيم الغربية. فنحن مثلا لم نتعرف على التاريخ الامازيغي وعن الثقافة الأمازيغية إلا من خلال الدراسات الانتروبولوجية الفرنسية التي حين ندرسها هي وغيرها دراسة ابستيمولوجية نجد أن عنصر الاسطورة طاغ عليها وأنها بالتالي ليست كلها علمية. حتى نصوصنا التراثية حسب المحاضر، لم نتعرف عليها إلا من خلال ما قام به المستشرقون، أو البحاثة الغربيون. وكل ما جاءنا حول اسلام البدايات سواء من خلال الرواية الاستشراقية أو الرواية التقليدية التراثية تشترك مع بعضها في الجذر الأسطوري.
ويواصل المتحدث في نفس السياق ويقول أن كل العلوم اكتسبناها من المرحلة الاستعمارية، وعن طريقها يتم اكتشاف عناصر هويتنا. وقد أوقع ذلك الفكر العربي في مأزق. وقدم كمثال على ذلك المفكر الراحل هشام جعيط الذي قال عنه الباحث أنك تشعر عندما تدرس كتاباته عن الفترة النبوية مثلا بتوتره لأنه لا يملك أمامه وثائق علمية ونفس الشيء بالنسبة لمحمد أركون وغيرهما والخوف ظل يلازم المفكرين الحداثيين من النزعة الانكارية.
نحن اليوم وفق المحاضر لا نتحكم في أدواتنا المعرفية، وربما لم نفكر في التمكن من هذه العناصر العلمية لمعرفة هويتنا. و قد ايدت الأستاذة أم الزين بن شيخة الباحث الجزائري في أطروحته التي قدمها أمام الحضور بالقول أننا نحن العرب المعاصرون، نتعامل مع هذه المسألة إما بطريقة أبولوجية باستحضار الماضي والحنين إليه. وقد نجح الاسلاميون، وفق رأيها في السطو على العقول بهذه الايديولوجيا التي تمجد الماضي، أو باسلوب جلد الذات الذي يصل حتى إلى الحنين إلى فترة الاستعمار، لتستنتج بأن علاقتنا اليوم بالحداثة وبالعصر متوترة جدا أوصلتنا إلى مأزق أو ما اسمته بالفرنسية blocage .
بالنسبة للاستاذ فتحي التريكي، ليس من السهل الحديث عن الهوية، من جانب الفهم الفلسفي المعمق، فالهوية عادت اليوم بقوة في العالم، في أوروبا وفي أمريكا وغيرها من زوايا العالم. وذلك لسبيبن اثنين.
أولا، لأن فترة العولمة بصدد الانتهاء، الامر الذي مهد لعودة الفكر القومي.
ثانيا، وجود جملة من المخاطر التي تحدق بالفرد. ففكرة الانسان في حد ذاتها وفق الاستاذ فتحي التريكي، بصدد الذوبان. إن كينونة الإنسان، التي تتمثل في حريته الفردية الكامنة في ذاته قد دخلت وفق المتحدث في أزمة عميقة لذلك عادت الهوية لتطفو من جديد. وكي نفهم الهوية وفق نفس المتحدث، علينا أن نربطها بما نسميه، بالبعد المنطقي والزمن. ولا نستطيع أن نتحدث عن الهوية إذا لم نرتكز على الغيرية. فهما من أسس التفكير في الهوية. ويواصل الأستاذ فتحي التريكي، فيقول أننا اليوم بصدد الحديث عن هوية الإنسان التي تتكون من مجموعة من الابعاد وهي الهوية الثقافية والتمطي، أي تلك التي يصفها بول ريكور بالفترة بين الحياة والموت، وهذا ينطبق على الذات وعلى المجتمع أيضا. ثم هناك البعد الذي يتعلق بالوجود للذات، والتي تعني أننا لا نعيش في ذاتنا فقط وإنما نعيش أيضا لذاتنا. أما البعد الآخر فهو ما اسماه بالتحولية، التي تعني تغيير الشيء دون أن يقع محوه.
وإذ يستخلص الفيلسوف فتحي التريكي أننا اليوم لم نستطع أن نستطع أن نبني ذاتنا من جديد، فهو يؤكد على أن بناء الذات لا يمكن إلا أن يتم إلا بالتفريق بين اسس الهوية واستعمالاتها. فالاستعمال الايديولوجي للهوية يؤدي إلى الاقصاء ونحن برأيه عندما نتحدث عن الهوية الأمازيغية مثلا، نقصي بقية الهويات. وهو يرى أن ما يجري في فرنسا مثلا عن طريق السياسي “ايريك زمور” الذي يسعى إلى بناء هوية جديدة، إنما يتم على أساس الإقصاء والاختزال الإيديولوجي. وقد تحدث فتحي التريكي، عن الهوية الثقافية، فقال أن الشيء الذي يجب أن انبه إليه هو أن الثقافة إذا ما انحصرت في شيء واحد اندثرت. فالثقافة تفاعل وتحاور وانفتاح عن الأفكار وهي ليست مطلقة أبدا والذي يريد أن يجعل منها هوية يساعد على اندثارها وقد اقترح أن يقع استعمال العيش المشترك أو الثقافة المشتركة، كبديل لها . وان اختلفت المواقف والمداخلات، فإن الجميع تقريبا متفق على أن الهوية تاريخية وهي لا يمكن أن تكون خارج إطار الزمن والعصر.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى